کد مطلب:239509 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:146

الهدف 07
هذا .. طبیعی بعد هذا : أنه قد أصبح یستطیع أن یدعی، بل لقد ادعی بالفعل - علی ما فی وثیقة العهد - : أن جمیع تصرفاته، و أعماله، لم یكن یهدف من ورائها، الا الخیر للامة، و مصلحة المسلمین، و حتی قتله أخاه، لم یكن من أجل الحكم، و الریاسة، بقدر ما كان من أجل خیر المسلمین، و المصلحة العامة، یدل علی ذلك : أنه عندما رأی أن خیر الامة، انما هو فی اخراج الخلافة من بنی العباس كلیة، و هم الذین ضحوا الكثیر فی سبیلها، و قدموا من أجلها ما یعلمه كل أحد - عندما رأی ذلك - و أن ذلك لا یكون الا باخراجها الی ألد أعدائهم،



[ صفحه 223]



سارع الی ذلك، بكل رضی نفس، و طیبة خاط .. و لیكون بذلك قد كفر عن جریمته النكراء، و التی كانت أحد أسباب زعزعة ثقة الناس به، ألا و هی : قتله أخاه الأمین، العزیز علی العباسیین و العرب ..

و لیكون بذلك، قد ربط الامة بالخلافة، و كسب ثقتها فیها، و شد قلوب الناس ، و أنظارهم الیها؛ حیث أصبح باستطاعتهم أن ینتظروا منها أن تقیم العدل ، و ترفع الظلم ، و أن تكون معهم، و فی خدمتهم، و تعیش قضایاهم . و لیكون لها من ثم من المكانة و التقدیر، ما یجعلها فی منأی و مأمن من كل من یتحینون بها الفرص، و یبغون لها الغوائل ..

و یدل علی ذلك - عدا عما ورد فی وثیقة العهد - ما ورد من أن المأمون كتب الی عبدالجبار بن سعد المساحقی، عامله علی المدینة : أن اخطب الناس، و ادعهم الی بیعة الرضا ؛ فقام خطیبا ؛ فقال :

« یا أیها الناس، هذا الأمر الذی كنتم فیه ترغبون، و العدل الذی كنتم تنتظرون، و الخیر الذی كنتم ترجون، هذا علی بن موسی، بن جعفر، بن محمد ، بن علی ؛ بن الحسین ؛ بن علی بن أبی طالب :



ستة آباؤهم ما هم

من أفضل من یشرب صوب الغمام [1] .



و قد أكد ذلك بحسن اختیاره ؛ اذ قد اختار هذه الشخصیة، التی تمثل - فی الحقیقة - أمل الامة، و رجاءها، فی حاضرها، و مستقبلها .

و تكون النتیجة - بعد ذلك - أنه یكون قد حصل علی حمایة لكل تصرف یقدم علیه فی المستقبل، و كل عمل یقوم به .. مهما كان غریبا، و مهما كان غیر معقول ؛ فان علی الامة أن تعتبره صحیحا و سلیما،



[ صفحه 224]



لابد منه، و لا غنی عنه، و ان لم تعرف ظروفه، و دوافعه الحقیقیة . بل و حتی مع علمها بها ؛ فان علیها أن تؤول ما یقبل التأویل، و الا .. فان علیها أن تدفن رأسها فی التراب، و تتناسی ما تعلم .. أو أن تعتبر نفسها قاصرة عن ادراك المصالح الحقیقیة الكامنة فی تلك التصرفات الغربیة، و أن ما أدركته ولو كان حقا - لا واقع له، و لا حقیقة وراءه و یدل علی ذلك بشكل واضح ابیات ابن المعتز الآتیة ص 306 / 305، یقول ابن المعتز :



و أعطاكم المأمون حق خلافة

لنا حقها لكنه جاد بالدنیا



لیعلمكم أن التی قد حرصتموا

علیها و غودرتم علی اثرها صرعی



یسیر علیه فقدها غیر مكثر

كما ینبغی للصالحین ذوی التقوی



و علی كل حال ؛ فانه یتفرع علی ما ذكرناه :

أولا : انه بعد أن أقدم علی ما أقدم علیه ؛ فلیس من المنطقی بعد للعرب أن یسخطوا علیه، بسبب معاملة أبیه، أو أخیه، و سائر أسلافه لهم ؛ فان المرء بما كسب هو، لا بما كسب أهله، و لا تزر وازرة وزر أخری ..

و كیف یجوز لهم أن یغضبوا بعد، و هو قد أرجع الخلافة الیهم، بل و الی أعرق بیت فیهم . و عرفهم عملا : أنه لا یرید لهم، و لغیرهم، الا الصلاح و الخیر ..

و لیس لهم بعد حق فی أن ینقموا علیه معاملته القاسیة لهم، و لا قتله أخاه، و لا أن یزعجهم، و یخیفهم تقریبه للایرانیین، و لا جعله مقر حكمه مروا الی آخر ما هنالك .. مادام أن الخلافة قد عادت الیهم، علی حسب ما یشتهون، و علی وفق ما یریدون ..

و من هنا .. فلا یجب أن نعجب كثیرا ؛ حین نراهم : قد تلقوا بیعة الرضا بنفوس طیبة، و قلوب رضیة .. حتی أهل بغداد نری أنهم قد تقبلوها الی حد كبیر ؛ فقد نص المؤرخون - و منهم الطبری و ابن مسكویه - علی أن بعضهم وافق، و البعض الآخر - و هم أنصار بنی



[ صفحه 225]



العباس - رفض . و هذا یدل دلالة واضحة : علی أن بغداد، معقل العباسیین الأول، كانت تتعاطف مع العلویین الی درجة كبیرة ..

بل و نص المؤرخون، علی أن : ابراهیم بن المهدی، المعروف بابن شكلة، الذی بویع له فی بغداد غضبا من تولیة الرضا للعهد : لم یستطع أن یسیطر الا علی بغداد، و الكوفة و السواد [2] ، بل و حتی الكوفة قد استمرت الحرب قائمة فیها علی ساق و قدم أشهرا عدیدة بین أنصار المأمون، و علیهم الخضرة، و أنصار العباسیین و علیهم السواد [3] .

و ثانیا : و أما الایرانیون عامة، و الخراسانیون خاصة، و المعروفون بتشیعهم للعلویین، فقد ضمن المأمون استمرار تأییدهم له، و ثقتهم به ؛ بعد أن حقق لهم غایة أمانیهم، و أغلی أحلامهم، و أثبت لهم عملا، حبه لمن یحبون ، و وده لمن یودون .. و أن لا میزة عنده لعباسی علی غیره، و لا لعربی علی غیره، و أن الذی یسعی الیه، هو - فقط خیر الامة، و مصلحتها ؛ بجمیع فئاتها، و مختلف طبقاتها، و أجناسها ..


[1] العقد الفريد ج 392 / 3، طبع مصطفي محمد بمصر سنة 1935 و «ما» في البيت زائدة .. و لا يخفي ما في البيت، و قد أثبتناه، كما وجدناه.

[2] راجع البداية و النهاية ج 248 / 10، و غيره من كتب التاريخ . و زاد أحمد شلبي في كتابه : التاريخ الاسلامي و الحضارة الاسلامية ج 105 / 3 - زاد علي ذلك : المدائن أيضا.

[3] راجع : الكامل لابن الأثير ج 190 / 5، و البداية و النهاية ج 248 / 10، و غير ذلك.